أخبار فن و أدب وثقافة

الرابعة بتوقيت الفردوس: رحلة للقدر داخل دمشق..

الرابعة بتوقيت الفردوس: رحلة للقدر داخل دمشق..















وكأنها رحلة معاكسة من اليوم إلى الأمس، يصحبنا بها المخرج السوري محمد عبد العزيز لست ساعات افتراضية يختصرها فيلماً من ساعتين تحت اسم الرابعة بتوقيت الفردوس. حيث ينطلق الوقت عابثاً بالمشاهد من نافذة غرفة ضمن مشفى الأسد الجامعي بدمشق، تجلس شابة "نوار يوسف" مصابة بالسرطان على حافة النافذة ومنظر العاصمة المنهكة بالأحزان يبدو جلياً أمامها

يتداخل النزاع الشخصي بالوطني فتكبر هوة القلق وتغدو تفاصيل الحياة اليومية قصصاً تروى فحبة الكبّاد وبيانو العازف عناصراً في لوحة الصراع التي تضم أيضاً حلق فضي يبدو كالرصيد المادي الناجي من الحرب ودابة تنازع سكرات الموت وخاتم ارتباط مرمى على الأرض وجواز سفر منسي من أجل الوطن. هنا تولد الحقيقة المرة وترتدي قناع الكذب، هكذا أخرج عبد العزيز شخوص فيلمه الجديد منطلقاً بأسلوب مونتاجي متقطع متقدم تارة للأمام وتارة للخلف من فكرة أين نحن من الصراع الدائر حولنا، وكم يتسنى لنا أن نفكر في زحمة ما نواجه من أزمات. فالحدث وقع كما ينطلق الفيلم أو ربما لن يأتي وما يحيط بالقصص السبعة من تفاصيل هي انعكاسات اللحظة فالجميع متوتر، غارق في بؤس لا يعرف سببه، تتفوق الرغبة على الإرادة ويفصل بين قرار البقاء والرحيل شعرة واحدة تطير في فضاء الفردوس، لذا جاء فيلم الرابعة خالياً من ذرى الأحداث في محاولة لامتصاص صدمة الوجع الآني والتفكير فيما يليه من ارتدادات.
الوطن على المحك والنزاع الداخلي يتقاطع حتماً مع ما يحدث في الخارج. هكذا تنفجر سيارة راقصة الباليه "يارا عيد" شقيقة الناشط المعتقل سابقاً "سامر عمران" قرب حاجز لقوات الأمن، فيرتفع إيقاع التصعيد داخل الفيلم وتسير الشخصيات نحو الساعة الرابعة في يوم من أيام الحرب المتشابهة. ما يختلف فيه فقط أن كافة الشخصيات قررت الرحيل دون تحديد الوجهة بحثاً عن وطن يستع لأحلامها، وطن يسكن قلب حبيب أو يسافر في رحلة خارج حدود البر أو في يرسم على لافتة حمراء تنقل صدى الروح. هو الوطن الذي تختلط فيه أصوات طبول الحرب مع أجهزة العناية الصحية داخل المستشفى، لتدخل رافعة بناء تتوسط المشهد بين نصف مدينة الصامد عمرانياً ونصف آخر يغرق في الدمار وويلات النزاع. وكأن الفردوس لن يرحم ساكنيه إذا ما خانوا ضميرهم، حبهم، وعودهم حتى وطنهم الذي انتظرهم لينقذوه فتاهوا في صراع لحظي بين " نحن" و "هو". فغدا الغائب الذي يسكننا ولا نسكنه ونسعى جاهدين للعب دورنا بأدق تفصيل على خشبة مسرح الحياة. فئن سؤلنا ماذا فعلتم؟ أجاب الوطن الجريح عنا: ها هم أبنائي ضحايا لا ذنب لهم، سامحهم يا رباه ولا تخرجهم من الفردوس
كبادة البيت الشامي القديم وأفعى تهتز على صوت الموسيقى، بحرة تنقل آهات الوجع بين جزئيات الماء المتلاطمة وطالع فلكي يرسم الحب والخلود والانبعاث. حينها فقط سيرقص حب الرمان على لحن الألم ويغني مساء دمشق ترتيلة للبقاء حين يلسع العقرب الصغير رأس الساعة الرابعة... هنا دمشق والحكاية لم تنتهِ بعد

Copyright © aldabour.net - All rights reserved 2025