أخبار اقتصادية

المزيج النقدي ـ المالي وإعادة الإعمار السورية ..!

المزيج النقدي ـ المالي وإعادة الإعمار السورية ..!

يعبر هذا المصطلح عن المزج بين السياستين النقدية والمالية الواجب اعتمادها في مرحلة زمنية معينة ولاسيما أوقات الأزمة, كما هو عليه الحال في سورية بعد هذه الحرب التي تجاوزت مدتها /7/ سنوات, وهنا يكون هدف السياسة الاقتصادية, الوصول لآلية تدير الطلب الكلي والعرض الإجمالي لتفعيل الاقتصاد الوطني واستقراره وتجاوز تداعيات الحرب والأزمة من الركود أو المشاكل التي يواجهها الاقتصاد وتمنعه من الوصول إلى المؤشرات الاقتصادية المطلوبة, ولاسيما تحقيق زيادة معدل النمو الاقتصادي وإنتاجية العمل والناتج المحلي الإجمالي والصادرات وتحسين واقع الميزان التجاري وميزان المدفوعات ومتوسط الدخل والاحتياطيات النقدية الخ, ومن جهة أخرى تقليل معدل البطالة والإعالة والتضخم وسعر الصرف المستوردات…الخ, أي ان اختيار المزيج النقدي يجب أن يجاوب عن سؤال مهم هو: كيف يمكن تفعيل الدورة والنشاط الاقتصادي لتحقيق المؤشرات الاقتصادية المطلوبة من خلال التفاعل بين السياستين النقدية والمالية, ولاسيما أن السياسة النقدية هي التي يعتمدها البنك المركزي (بنك البنوك) وتتجسد في تحديد الكتلة النقدية وسعر الفائدة أي سعر إقراض النقود وسياسة الائتمان المصرفي المعتمد وضوابطه ومحدداته وتحديد سعر الحسم والاحتياطي القانوني ومعدل التضخم وسعر الصرف….الخ, أما السياسة المالية فهي السياسة التي تمارسها وزارة المالية وتتجسد في تحديد الموازنات السنوية والنفقات والإيرادات والعجز الموازني والمدفوعات التحويلية والسياسة الضريبية….الخ, وانطلاقا من توصيف واقعنا الاقتصادي الذي تأثر سلباً أكثر من تداعياتها, ومع استعدادنا لتفعيل عملية إعادة الإعمار والبناء السورية نجد أنفسنا كخبراء اقتصاديين مضطرين للإجابة عن السؤال التالي وهو: أي مزيج نقدي نعتمد لتفعيل عملية إعادة الإعمار والبناء في سورية؟ أي بشكل أكثر تحديداً هل نختار سياسة التيسير المالي والتضييق النقدي أم سياسة التضييق المالي والتيسير النقدي!؟, والفارق بين المزيجين يتجلى بما يلي:
أ‌-سياسة التيسير المالي والتضييق النقدي: ويتم اعتماد هذا الأسلوب عندما يكون معدل التضخم منخفضاً وقيمة الناتج المحلي الإجمالي عند القيمة المخططة والمديونية محدودة ومعدل الضرائب منخفض والموازنة متوازنة وأسعار الفائدة مقبولة وسعر الصرف معتدلاً, ولكن فجأة تتعرض الدولة لخطر ما, كما تعرضت وتتعرض له سورية ويترافق هذا مع زيادة النفقات ولاسيما الدفاعية, وهنا يمكن للدولة أن تلجأ إلى الاستدانة من دون الخوف من عبء المديونية, وتعتمد زيادة الإنفاق من دون الخوف من زيادة عجز الموازنة السنوي, وهذا سيؤدي إلى تفعيل الطلب الكلي على السلع والخدمات, وهنا تلجأ السياسة النقدية عبر البنك المركزي السوري إلى سياسة التضييق النقدي, أي عدم ضخ نقود في السوق بل المحافظة على التناسب بين معدل زيادة الكتلة النقدية ومعدل النمو الاقتصادي لتجنب التضخم النقدي وتفعيل النشاط الاستثماري والتصديري وتعويم سعر العملة المحلية لأن سعر الصرف المرتفع للعملة الأجنبية يؤدي إلى زيادة الصادرات وتقليل المستوردات, وهذه السياسة تم استخدامها من البنك الفيدرالي الأمريكي في بداية ثمانينيات القرن الماضي في فترة الرئيس الأمريكي (دونالد ريغان), وكانت لها تداعياتها الإيجابية رغم الظروف القاسية التي كان يمر بها الاقتصاد الأمريكي.
ب‌-سياسة التضييق المالي والتيسير النقدي: ويتم اعتمادها عندما تتراجع وتيرة النشاط الاقتصادي وتراجع معدل الادخار والاستثمار الداخلي والخارجي, وهنا تسعى السياسة الاقتصادية لتفعيل الاستثمارات لأنها الحامل الحقيقي للتنمية المجتمعية وزيادة معدل النمو الاقتصادي وقيمة الناتج المحلي الإجمالي, وهنا تلجأ السياسة المالية إلى زيادة الضرائب على السلع الاستهلاكية والتوجه لتقليل الدخل المتاح, أما السياسة النقدية فتلجأ إلى تخفيض أسعار الفائدة وسعر الصرف بهدف زيادة الادخار وبالتالي زيادة الاستثمار ولاحقاً الصادرات وتوسيع نوعيتها, وهذه السياسة اعتمدها البنك الفيدرالي الأمريكي في تسعينيات القرن الماضي في فترة إدارة الرئيس (بيل كلينتون) وهذا النهج أدى إلى تحقيق فائض في الموازنة السنوية في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
ومن هنا نرى ضرورة تحديد أي مزيج نقدي مالي يجب ان نعتمده لتجاوز تداعيات الحرب الظالمة والعقوبات والحصار الاقتصادي الجائرين واللاشرعيين من طرف واحد والمفروضين على بلدنا الغالي.

Copyright © aldabour.net - All rights reserved 2025